يمرّ عامٌ آخر ونحن نشهد بأمّ العين على إبادة أهلنا وعلى التطهير العرقي الممنهج لبلادنا وعلى محاولات محو أثرنا وتجريدنا من إنسانيتنا. نشهد أيضاً على صمودنا وتعاضدنا ومقاومتنا، ونعوّل على إيماننا الراسخ بالحق وعلى بعضنا البعض وعلى خيالنا الفردي والجمعي لمواجهة الاستعمار والاستبداد وتفكيك أثرهما في الأرض والفكر والإنسان. 

تتزامن هذه اللحظة المفصلية من تاريخ منطقتنا – وتاريخ الإنسانية جمعاء – مع الذكرى العشرين لتأسيس المورد الثقافي، لنجد أنفسنا بعد عشرين عاماً من العمل على دعم قطاع الثقافة والفنون في المنطقة العربية، لا نقف وحدنا. بات المورد جزءاً من منظومة ثقافية حيوية لديها القدرة على الفعل والحلم والتجدّد، وبات دورنا كمورد يساهم في تعزيز التعددية والحيوية الثقافية، يبني على عمل شبكات من المبدعين القادرين على إحداث أثر ملموس على واقعنا الراهن.

في هذا الاتجاه، وفي ظلّ استبداد السلطات والحروب والاحتلال، نعمل ضمن رؤية ترتكز على التفكير والفعل الثقافي الجماعيين والمرتبطين بالإنسان. نستلهم قيمة الحياة الحرّة الكريمة المتجذّرة في الأرض من قوة الناس المضحية بكلّ ما تملك ومن مبادرات مجتمعية تعمل بأقلّ الإمكانيات لإنقاذ كلّ ما تستطيع إنقاذه، فنبقي خيالنا متّقداً وعزيمتنا صلبةً رغم كلّ المآسي التي نمرّ بها ونشهد عليها. 

من أنقاض بيوتنا وحيواتنا المهدّمة، نحمل معاً – كمبدعين وعاملين في المجال الفكري والثقافي – مسؤولية تعزيز ممارسات فنية وثقافية تناهض السرديّات السائدة وتبرز سرديّات شعوبنا التي تعيد بناء حيواتها كلّ يوم، وتوثّق مسارات الحقّ التي تسلكها، وتفتح أفقاً للحلم والخيال. تشكّل هذه الممارسات مصدراً حياً للأمل والإلهام الذي سيحملنا على خلق حيوات مكتملة لا تقتصر على النجاة. 

في ختام هذا العام، نتمنى الصبر والثبات لنا جميعاً لمواصلة رحلتنا التي نخوضها معاً، على أن تبقى مؤازرتنا لبعضنا البعض ركيزةً نبني عليها العالم الذي نريد.

الصورة من مشروع “خط الزمن” للمصوّر الفوتوغرافي عبيد الله حسين (فلسطين/سوريا)، الحائز على دعم المنح الإنتاجية 2023.