في صيف عام 2003، التقت المديرة والناشطة الثقافية بسمة الحسيني مع مجموعة من الناشطين الثقافيين والفنانين العرب لطرح فكرة إنشاء مؤسسة ثقافية عربية غير ربحية. عقدت المجموعة عدّة اجتماعات تأسيسية شارك فيها كلّ من عادلة العايدي وروجيه عساف وهبة صالح وإيفا دادريان وعز الدين قنون وجمال نكروما وعلياء الجريدي وحنان الحاج علي وجاك برسكيان وخالد جبران وسامي حسام وطارق أبو الفتوح. أنتجت مناقشاتهم تحديد ثلاثة مجالات عمل رئيسية للمؤسسة الجديدة: دعم أعمال الفنانين الشباب والناشئين، تنشيط الحوار بين المثقفين والفنانين العرب ونظرائهم في دول الجنوب، وتقديم التجارب الفنية غير السائدة إلى جمهور واسع في المنطقة. وهكذا تأسّس «المورد الثقافي» رسمياً في أواخر عام 2003 وتم تسجيله في بلجيكا كمؤسسة غير ربحية تغطي أعمالها كافة أنحاء المنطقة العربية، ومركزها الإداري في مصر.

أعلن رسمياً عن إطلاق المورد الثقافي في نيسان/أبريل 2004 من خلال مهرجان «أول ربيع» الذي قدّم في القاهرة، وتحوّل فيما بعد إلى «مهرجان الربيع» الذي كان يقام مرة كلّ سنتين بين القاهرة وبيروت. أوّل برامج «المورد الثقافي» لدعم الفنانين والكتّاب الشباب من المنطقة العربية كان برنامج المنح الإنتاجية الذي قدّم منحاً صغيرة لفنانين دون سن الـ35  سنة وتبعه في نفس العام برنامج “ملتقيات الشباب” الذي تكون من ثلاثة ملتقيات إبداعية هي “ريميكس” في الموسيقى، “صفحة جديدة” في الأدب، و”بداية اللعبة” في المسرح. في مطلع عام 2005 أطلق المورد الثقافي أيضاً برنامجه الثالث “مواعيد” لدعم تنقّل الفنانين من المنطقة العربية وتشجيع التبادل الفني بينهم، وبدافع الربط بين البرامج الثلاثة، حيث يمكن للفنانين المشاركة في ملتقيات الشباب لتطوير أعمالهم، ثم التقدّم للحصول على منحة إنتاجية، وأخيراً يمكنهم الاستفادة من دعم السفر الذي يقدّمه “مواعيد”.

في عام 2005 أيضاً افتتح المورد الثقافي “مسرح الجنينة” في حديقة الأزهر في القاهرة، بالتعاون مع مؤسسة الأغا خان، وقدّم خلال الأعوام التالية مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الفنانين العرب والدوليين لجمهور شبابي واسع. كما أطلق في العام نفسه برنامج التدريب على الإدارة الثقافية، بالتعاون مع المؤسسة الثقافية الأوروبية، وكانت المهمة الأولى هي تدريب مدرّبين من المنطقة العربية في هذا المجال وكتابة مناهج تدريبية باللغة العربية. خلال الأعوام التالية نظّم المورد عدة ورشات للتدريب شارك فيها عدد كبير من المدراء الثقافيين الناشئين من بلاد عربية مختلفة، بالإضافة إلى ترجمة ونشر وتوزيع كتب عن الإدارة الثقافية باللغة العربية من أجل تأسيس مكتبة مرجعية باللغة العربية للشباب المحترف. تمّ توسيع هذا البرنامج لاحقاً في عام  2012  ليشمل برنامج «إمكان» وهو عبارة عن سلسلة من المنتديات الإقليمية للقيادة الثقافية.

في عام 2006 بدأ المورد الثقافي بحثاً حول تأسيس صندوق عربي مستقل للفنون، ونتج عن هذا البحث تأسيس وإطلاق الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق، الذي شارك المورد الثقافي في تأسيسه وإدارته حتى عام 2009، ولا تزال هذه المؤسسة تشكّل مصدراً مهمّاً لدعم الفنانين في المنطقة العربية.

انطلق في عام 2009 برنامج السياسات الثقافية لرصد وتطوير السياسات الثقافية في المنطقة العربية عبر إجراء أوّل عملية مسح للسياسات الثقافية القائمة في تسعة بلدان عربية ونشر نتائج هذا البحث في كتاب. توسّع هذا البرنامج لاحقاً ليتضمّن مجموعات عمل للسياسات الثقافية على المستوى الوطني في 10 بلدان عربية، بالإضافة إلى عدد كبير من المنشورات والبحوث في هذا المجال وإنشاء موقع السياسات الثقافية العربية الإلكتروني، وفي عام 2010 تأسست المجموعة العربية للسياسات الثقافية كناتج لمجموعات العمل الوطنية، بهدف تبادل الخبرات والدروس حول تطوير السياسات الثقافية.

في عام 2010 تمّ تصميم وإطلاق برنامج تجريبي للتعليم الموسيقي في حيّ الدرب الأحمر المجاور لمسرح الجنينة، وذلك من خلال مدرسة الدرب الأحمر للفنون التي قدمت برامج لتعليم عزف آلات الإيقاع وآلات النفخ النحاسية وفنون السيرك.

استمرّ «المورد الثقافي» في توسيع نشاطاته بعد الانتفاضات الشعبية التي حصلت في أوائل عام 2011 والتي أدّت إلى تغيير الأنظمة في بعض الدول العربية، وإلى اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية في دول أخرى. وفي ظلّ انتشار الإحساس بأنّ الفن والثقافة قد يلعبان دوراً محورياً في بناء المجتمع المدني والشعور بانفتاح المجال لإمكانيات جديدة في المشهد الثقافي المستقلّ،  تمّ تصميم وإطلاق «عبّارة»، أحد أكثر البرامج طموحاً لمساعدة المؤسسات الثقافية العربية الناشئة على تحقيق درجة أعلى من الثبات والاستدامة. صمّم البرنامج من أجل توفير الدعم المؤسسي عبر مزيج من المنح والدعم الفني والقانوني، وأُطلق في عام 2012 للمؤسسات من مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا، ثمّ فُتح مجال التقدّم لاحقاً أمام المؤسسات من باقي الدول العربية.

كما حضن «المورد الثقافي» مبادرة الإغاثة الثقافية «العمل للأمل» التي أُطلقت كبرنامج تجريبي في عام 2013، وأصبحت مؤسسة منفصلة منذ عام 2015، وتهدف إلى ترسيخ دور الفنون والثقافة في دعم الأفراد والمجتمعات، خاصةً تلك التي تمرّ بأزمات سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية.

في عاميّ 2013 و2014، أجرى «المورد الثقافي» دراسة جدوى لتحديد البلد العربي الأكثر أهلية لاستضافة أوّل برنامج ماجستير في السياسات الثقافية والإدارة الثقافية، وللنظر في الجامعات التي يمكن التشارك معها، والبحث في هيكلية ومحتوى المنهج التعليمي. بعد إتمام البحث ابتدأت فوراً مرحلة تصميم وتحضير البرنامج بالشراكة مع جامعة الحسن الثاني في المغرب وجامعة هيلدسهايم الألمانية. بدأت أوّل دفعة المكوّنة من 10 طلّاب دروسها ضمن هذا البرنامج في تشرين الأول/أكتوبر 2018.

مع تدهور بيئة العمل الثقافي بعد عودة أجواء القمع السياسي في مصر، وخاصة بعد إقرار قانون المنظّمات غير الحكومية، اتُّخذ قرار نقل المركز الإداري للبرامج الإقليمية من مصر إلى لبنان. استقلّت، نتيجة ذلك، برامج مصر (مسرح الجنينة ومدرسة الدرب الأحمر للفنون) وأصبحت شركات مصريّة ذات مسؤولية محدودة أواخر عام 2016، وأضحى المركز الإداري للمؤسسة في بيروت منذ حزيران/يونيو 2017.

بقيت المؤسسة تتأقلم وتستجيب للظروف والاحتياجات المتغيّرة في المنطقة وتبحث دائماً عن تحسين البرامج والخدمات المقدّمة للفنانين والمؤسسات العربية. وفي ظلّ الواقع السياسي والمخاطر التي يواجهها الفنانون العرب، أطلق «المورد الثقافي» في عام 2017 برنامج «كن مع الفن» لدعم الفنانين المعرّضين للخطر، وهو برنامج يقدّم للفنانين مساعدة مادّية على المدى القصير في حال أجبروا على مغادرة بلادهم. كما استمرّت البرامج الأخرى في التطوّر مثل برنامج دعم التنقّل الذي توسّع ليشمل سفر الفنانين العرب إلى منابر وفعاليات عالميّة، فاتحاً أمامهم مجال الوصول إلى جماهير جديدة وخالقاً لهم مساحة لعرض أعمالهم ضمن المشهد الثقافي العالمي.

بالإضافة إلى برامج «المورد الثقافي» الخاصّة، تتعاون المؤسسة مع شركاء دوليين لإطلاق وتنفيذ مبادرات مشتركة، منها «تونس بلد الفن» وهو مشروع ريادي مشترك مع وزارة الثقافة التونسية  يسعى إلى مدّ الجسور بين العاملين في القطاع الثقافي الحكومي والقطاع المستقلّ، وإلى تمكين الفاعلين الثقافيين من تحقيق مشاريعهم عبر سلسلة من ورشات التدريب لبناء القدرات وكذلك تقديم دعم مالي لمشاريع ثقافية في كافة المحافظات التونسية؛ وبرنامج «تاندم شمل» وهو مشروع تبادل ثقافي بين فاعلين ثقافيين من المنطقة العربية وأوروبا، ينفّذ بالتعاون مع المؤسسة الثقافية الأوروبية ومؤسسة ميت أوست (ألمانيا)؛ ومهرجان ريدزون الذي يهدف إلى إلقاء الضوء على مواضيع تتعلّق بحرية التعبير في الفن، وذلك بالتعاون مع الشريك النرويجي KKV.

نتيجة نشاط السنوات الممتدة منذ عام 2004، هي حصول عدد كبير من الفنانين والمدراء الثقافيين والمؤسسات الناشئة، في المنطقة العربية، إمّا على دعم مادي أو على تدريبات، وحضور جمهور متنوّع من آلاف الأشخاص لحفلات وعروض وندوات، وتأسيس تاريخ من التعاون والشراكات الناجحة مع مؤسسات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى تيسير شبكات واسعة من العلاقات بين الفنانين في المنطقة. أمّا أهمّ نتيجة فهي الإمكانيات التي أتاحها «المورد الثقافي» للفنانين والفاعلين الثقافيين والمجتمعات التي ينتمون إليها، والتي لا يمكن قياسها ولن يتضّح تأثيرها إلّا من خلال آلاف الحكايات التي لا تزال تروى.